Wednesday, November 29, 2006

المحــاضــرة

كانت تتأمل نفسها في المرآة حين أقبل زوجها
ليتساءل بدهشة: ما هذا؟ ما الذي فعلته بشعرك؟
أجابت وقد اختلط صوتها بمزيج من الثقة واللامبالاة: لقد أخضعته لعملية: تجعيد.. يسمونها بلغة التجميل: بيرم.. وهو إجراء يتماشى مع الموضة كما أنه مريح وعملي جدا، فأنت تعلم أنني هكذا سأرتاح من عناء غسله شبه اليومي.. إلخ
اقترب منها ليلمس خصلة من شعرها ويقول بسخرية: تبدين كخروف رغم كل التسميات الموسيقية الأنيقة، وإنني مندهش لم بادرت إلى إجراء فعل كهذا دون استشارتي على الأقل
قالت: لكن الرأس رأسي أنا وهذا شعري أنا.. ثم إن تكاليف العملية دفعتها من جيبي الخاص
قال محتدا: أقسم يا بنت الناس إن حكاية التكاليف لم تخطر لي على بال، كل ما قصدته أني معتاد على رؤيتك بمظهر معين، وكنت أتمنى لو جعلتني أستعد نفسيا على الأقل لهذا التغيير
وأضاف وهو يشعل سيجارة بعصبية: لا أعلم سبب إصراركن هذا على الإساءة لأهم مظهر من مظاهر الأنوثة، إن شعر المرأة هو جزء هام من أنوثتها
هنا التفتت نحوه بسرعة لتقول: رغم أن جملتك الأخيرة تبدو كإحدى الجمل المستهلكة التي تقال ضمن الإعلانات اليومية عن أنواع شامبو غسيل الشعر، إلا أني مضطرة للتوقف عندها لنناقش حرصكم هذا ـ كرجال ـ عموما على مظاهر الأنوثة التي قرعتم رؤوسنا بها، والتي نسكت نحن النساء بالمقابل عن عدة مظاهر للرجولة قد نفتقدها فيكم دون أن نجرؤ على الشكوى أو حتى المناقشة، فطالما أنكم تخضعون الأنوثة لقضايا شكلية فلنخضع الرجولة أيضا لقضايا شكلية
بدا عليه اهتمام شديد فقال: ماذا تقصدين بالضبط؟
أجابت وقد استهواها اهتمامه: إن الموضوع شائك ولا سبيل لحصره، لذلك سأكتفي ببعض الأمثلة لعلها تعبر بوضوح عما أريد قوله، خذ مثلا: ألا ترى معي أن رجل هذا العصر بدأ يفقد أهم مظاهر رجولته، القوة البدنية والقدرة على التحمل؟.. فمن المكتب إلى السيارة إلى التسمر أمام شاشة التلفزيون والنوم أخيرا، ألا يترتب على كل هذا اضمحلال في العضلات وتراجع في القوى الجسدية الطبيعية التي ميزتم بها ؟.. ولا يعني ما أقول أني أطالب بإعادة مجد ما للعضلات المفتولة.. بل أذكرك فقط إننا كنساء ـ رضينا بما طرأ على مظاهر رجولتكم وقبلنا به كمسلمات كجزء من سلبيات الحياة العصرية التي نعاني منها جميعا
سأنتقل الآن إلى جانب آخر من الموضوع أشد خطورة، إنها قدراتكم وطاقاتكم النفسية ولا أقصد هنا الضغوط النفسية اليومية، فنحن وإياكم حيالها سواء وخاصة بعد خروج المرأة للحياة العملية ـ إني أعني ما قد يسمى بالتقهقر النفسي الذي ينتابكم حيال حالات المرض الطارئة البسيطة.. إنكم تنهارون سريعا أمام حالة رشح عابرة أو انفلونزا مثلا أو أي تراجع بسيط في الصحة، فإذا مرض الرجل ـ لا سمح الله ـ دخل البيت كله وكافة أفراده في حالة طوارئ ومنع التجول وقامت الدنيا ولم تقعد، ولا أبالغ في هذا، بل هي حقيقة ثابتة واضحة تشهد بها كل الأمهات والزوجات.. وإن لها كما يبدو أسبابها النفسية الدفينة، إنه تشبثكم الأزلي بالقوة أو بالأحرى بقايا مظاهرها، وذعركم من فقدانها في حالة المرض يجعلكم تنهارون سريعا.. ليس بسبب أعراض المرض نفسه بل من منطلق مخاوفكم طبعا
هذا نفهمه جيدا ـ نحن النساء ـ واللهم لا اعتراض، رغم أننا قضينا طفولتنا ومراهقتنا ربما ونحن نحلم بأمثال جعفر الطيار مثلا.. أو خالد بن الوليد.. أو أي نموذج من نماذج: السوبرمان
قال وهو يشعل السيجارة الثانية: أحب أن أذكرك أنك تتحدثين عن تاريخ ونمط من الرجال عاش في جو معين وعصر آخر يختلف عنا، مهما كان، إن للرجولة معاني عميقة أصيلة ثابتة ما تزال ترسخ بقوة في أرواحنا رغم تبدل العصور.. تبدأ بالصدق والنخوة والشجاعة لتنتهي بالإقدام والثبات على المواقف والترفع عن الصغائر
هنا قالت وهي تبتسم: ألا ترى معي أن هذه صفات قد تتوفر ببساطة في امرأة ما؟ مثلا؟
لم يجب بل أشعل سيجارته الثالثة وقال وهو يغادر المكان: رغم كل شيء، ورغم محاضرتك الطويلة المؤثرة.. فتسريحتك ما زالت لا تعجبني

Thursday, November 23, 2006